فصل: فصلٌ فِي الْحِرَازِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي الْحِرَازِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ:

(وَمَنْ سَرَقَ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ) فَالْأَوَّلُ وَهُوَ الْوِلَادُ لِلْبُسُوطَةِ فِي الْمَالِ، وَفِي الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ، وَالثَّانِي لِلْمَعْنَى الثَّانِي وَلِهَذَا أَبَاحَ الشَّرْعُ النَّظَرَ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْهَا، بِخِلَافِ الصَّدِيقَيْنِ لِأَنَّهُ عَادَاهُ بِالسَّرِقَةِ، وَفِي الثَّانِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ أَلْحَقَهَا بِالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَتَاقِ.
(وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مَتَاعَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ، وَلَوْ سَرَقَ مَالَهُ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ يُقْطَعُ) اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قُطِعَ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ بِخِلَافِ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ لِانْعِدَامِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهَا عَادَةً.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا قَرَابَةَ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِهَا لَا تُحْتَرَمُ كَمَا إذَا ثَبَتَتْ بِالزِّنَا وَالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ، وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّضَاعَ قَلَّمَا يَشْتَهِرُ فَلَا بُسُوطَةَ تَحَرُّزًا عَنْ مَوْقِفِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ النَّسَبِ.
(وَإِذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً، وَإِنْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ حِرْزِ الْآخَرِ خَاصَّةً لَا يَسْكُنَانِ فِيهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِبُسُوطَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْوَالِ عَادَةً وَدَلَالَةً، وَهُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ فِي الْخِلَافِ فِي الشَّهَادَة (وَلَوْ سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ لَهُ فِي أَكْسَابِهِ حَقًّا (وَكَذَلِكَ السَّارِقُ مِنْ الْغَنَمِ) لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دَرْءًا وَتَعْلِيلًا.
الشرح:
فصلٌ فِي الْحِرَازِ:
قَوْلُهُ: وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ يَعْنِي فِي السَّارِقِ مِنْ الْمَغْنَمِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ ابْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ، وَهُوَ زَيْدُ بْنُ دِثَارٍ، قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِرَجُلٍ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ، فَقَالَ: لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ، وَهُوَ خَائِنٌ، فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَكَانَ قَدْ سَرَقَ مِغْفَرًا. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فِي تَرْجَمَةِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ عَنْ الثَّوْرِيِّ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ، فَرُفِعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَقَالَ: مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا، انْتَهَى.
قُلْت هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ أَخْبَرَنِي مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِعَبْدٍ، الْحَدِيثَ.
قَالَ: (وَالْحِرْزُ عَلَى نَوْعَيْنِ: حِرْزٌ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْبُيُوتِ وَالدُّورِ وَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: الْحِرْزُ لَا بُدَّ مِنْهُ، لِأَنَّ الِاسْتِسْرَارَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، ثُمَّ هُوَ قَدْ يَكُونُ بِالْمَكَانِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِإِحْرَازِ الْأَمْتِعَةِ كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالصُّنْدُوقِ وَالْحَانُوتِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْحَافِظِ كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ فَهُوَ مُحَرَّزٌ بِهِ، وَقَدْ: «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ» (وَفِي الْمُحَرَّزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِدُونِهِ وَهُوَ الْبَيْتُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ أَوْ كَانَ وَهُوَ مَفْتُوحٌ، حَتَّى يُقْطَعَ السَّارِقُ مِنْهُ، لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِقَصْدِ الْإِحْرَازِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ، لِقِيَامِ يَدِهِ فِيهِ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْمُحَرَّزِ بِالْحَافِظِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ كَمَا أَخَذَ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ فَتَتِمُّ السَّرِقَةُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ أَوْ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتَاوَى.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ رَجُلًا سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ، مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ أُخْتِ صَفْوَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى، ثُمَّ لَفَّ رِدَاءً لَهُ مِنْ بُرْدٍ، فَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَنَامَ، فَأَتَاهُ لِصٌّ فَاسْتَلَّهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، فَأَخَذَهُ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا سَرَقَ رِدَائِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسَرَقْتَ رِدَاءَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبَا بِهِ، فَاقْطَعَا يَدَهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ: مَا كُنْت أُرِيدُ أَنْ تَقْطَعَ يَدَهُ فِي رِدَائِي، قَالَ: فَلَوْلَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟» انْتَهَى.
وَزَادَ النَّسَائِيّ، فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِسَنَدِ أَبِي دَاوُد رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَلَفْظُهُ قَالَ: «كُنْت نَائِمًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيَّ خَمِيصَةٌ لِي ثَمَنُهَا ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاخْتَلَسَهَا مِنِّي، فَأُخِذَ الرَّجُلُ، فَجِيءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْطَعَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَجْلِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا؟ أَنَا أَبِيعُهُ، وَأَهَبُهُ ثَمَنَهَا، قَالَ: فَهَلَّا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ، وَحُمَيْدَ ابْنُ أُخْتِ صَفْوَانَ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ، إلَّا سِمَاكٌ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ فِيهِ طُرُقٌ أُخْرَى قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ النَّسَائِيّ: وَرَوَاهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حُمَيْدٍ ابْنِ أُخْتِ صَفْوَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ صَفْوَانَ وَرَوَاهُ أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ صَفْوَانَ، ذَكَرَ هَذِهِ الطُّرُقَ النَّسَائِيّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا أَعْلَمُهُ يَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، انْتَهَى.
وَبَيَّنَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا حَدِيثُ سِمَاكٍ فَضَعِيفٌ بِحُمَيْدٍ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي غَيْرِ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، فَقَالَ: إنَّهُ حُمَيْدٍ بْنُ حُجَيْرِ ابْنُ أُخْتِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، ثُمَّ سَاقَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَهُوَ كَمَا قُلْنَا: مَجْهُولُ الْحَالِ، وَأَمَّا طَرِيقُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُتَقَطِّعَةٌ، فَإِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةُ لَا أَعْرِفُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ صَفْوَانَ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ دُونِ عَبْدِ الْمَلِكِ إلَى النَّسَائِيّ ثِقَاتٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَثَّقَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَقَالَ سُفْيَانُ: كَانَ شَيْخًا صَدُوقًا وَأَمَّا طَرِيقُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَتُشْبِهُ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: سَمَاعُ طَاوُسٍ مِنْ صَفْوَانَ مُمْكِنٌ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ زَمَانَ عُثْمَانَ وَذَكَرَ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ شَيْخًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: حَدِيثُ صَفْوَانَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْهُ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُحَرَّزًا بِأَحَدِ الْحِرْزَيْنِ (وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَالًا مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ فِيهِ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ عَادَةً أَوْ حَقِيقَةً فِي الدُّخُولِ فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ حَوَانِيتُ التُّجَّارِ وَالْخَانَاتِ إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا، لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا الْإِذْنُ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ.
(وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِالْحَافِظِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا بُنِيَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ مُحَرَّزًا بِالْمَكَانِ بِخِلَافِ الْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الَّذِي أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلْإِحْرَازِ، فَكَانَ الْمَكَانُ حِرْزًا فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ (وَلَا قَطْعَ عَلَى الضَّيْفِ إذَا سَرَقَ مِمَّنْ أَضَافَهُ) لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِي دُخُولِهِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الدَّارِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً.
(وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الدَّارِ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا مَعْنًى فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْأَخْذِ (فَإِنْ كَانَتْ دَارٌ فِيهَا مَقَاصِيرُ، فَأَخْرَجَهَا مِنْ الْمَقْصُورَةِ إلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ) لِأَنَّ كُلَّ مَقْصُورَةٍ بِاعْتِبَارِ سَاكِنِهَا حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ (وَإِنْ أَغَارَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْمَقَاصِيرِ عَلَى مَقْصُورَةٍ فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ) لِمَا بَيَّنَّا (وَإِذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ فَدَخَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَنَاوَلَهُ آخَرَ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ لِاعْتِرَاضِ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمَالِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَالثَّانِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ فَلَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ أَخْرَجَ الدَّاخِلُ يَدَهُ وَنَاوَلَهَا الْخَارِجَ فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ، وَإِنْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهَا مِنْ يَدِ الدَّاخِلِ فَعَلَيْهِمَا الْقَطْعُ وَهِيَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةٍ تَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ وَخَرَجَ فَأَخَذَهُ قُطِعَ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ كَمَا لَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ، وَكَذَا الْأَخْذُ مِنْ السِّكَّةِ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ.
وَلَنَا: أَنَّ الرَّمْيَ حِيلَةٌ يَعْتَادُهَا السُّرَّاقُ لِتَعَذُّرِ الْخُرُوجِ مَعَ الْمَتَاعِ أَوْ لِيَتَفَرَّغَ لِقِتَالِ صَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لِلْفِرَارِ وَلَمْ تَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا فَإِذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لَا سَارِقٌ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ إنْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ وَأَخْرَجَهُ) لِأَنَّ سَيْرَهُ مُضَافٌ إلَيْهِ لِسَوْقِهِ (وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ جَمَاعَةٌ فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ قُطِعُوا جَمِيعًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ الْحَامِلُ وَحْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ وُجِدَ عَنْهُ فَتَمَّتْ السَّرِقَةُ بِهِ.
وَلَنَا: أَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْكُلِّ مَعْنًى لِلْمُعَاوَنَةِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ يَحْمِلَ الْبَعْضُ الْمَتَاعَ وَيَتَشَمَّرَ الْبَاقُونَ لِلدَّفْعِ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْقَطْعُ لَأَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ.
قَالَ: (وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْمَالَ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ فِيهِ كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ فَأَخْرَجَ الْغِطْرِيفِيَّ.
وَلَنَا: أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ وَالْكَمَالُ فِي الدُّخُولِ، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ وَالدُّخُولُ هُوَ الْمُعْتَادُ، بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ فِيهِ إدْخَالُ الْيَدِ دُونَ الدُّخُولِ، وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ الْبَعْضِ الْمَتَاعَ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَادُ.
قَالَ: (وَإِنْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ الْكُمِّ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ يُقْطَعُ) لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الرِّبَاطُ مِنْ خَارِجٍ فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ الْكُمُّ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الطَّرِّ حَلُّ الرِّبَاطِ ثُمَّ الْأَخْذُ فِي الْوَجْهَيْنِ يَنْعَكِسُ الْجَوَابُ لِانْعِكَاسِ الْعِلَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ إمَّا بِالْكُمِّ أَوْ بِصَاحِبِهِ.
قُلْنَا: الْحِرْزُ هُوَ الْكُمُّ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُهُ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ فَأَشْبَهَ الْجُوَالِقَ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْقِطَارِ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّزِ مَقْصُودًا فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَهَذَا لِأَنَّ السَّائِقَ وَالْقَائِدَ وَالرَّاكِبَ يَقْصِدُونَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَ الْأَحْمَالِ مَنْ يَتْبَعُهَا لِلْحِفْظِ قَالُوا: يُقْطَعُ (وَإِنْ شَقَّ الْجُمَل وَأَخَذَ مِنْهُ قُطِعَ) لِأَنَّ الْجُوَالِقَ فِي مِثْلِ هَذَا حِرْزٌ، لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ فِيهِ صِيَانَتَهَا كَالْكُمِّ فَوُجِدَ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ (وَإِنْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَصَاحِبُهُ يَحْفَظُهُ وَنَائِمٌ عَلَيْهِ قُطِعَ) وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْجُوَالِقُ فِي مَوْضِعٍ هُوَ لَيْسَ بِحِرْزٍ كَالطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَكُونَ مُحَرَّزًا بِصَاحِبِهِ لِكَوْنِهِ مُتَرَصِّدًا لِحِفْظِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحِفْظُ الْمُعْتَادُ وَالْجُلُوسُ عِنْدَهُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ يُعَدُّ حِفْظًا عَادَةً، وَكَذَا النَّوْمُ بِقُرْبٍ مِنْهُ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ حَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا لَهُ، وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.فصلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ:

قَالَ: (وَيُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ وَيُحْسَمُ) فَالْقَطْعُ لِمَا تَلَوْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَالْيَمِينُ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنْ الزَّنْدِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْيَدَ إلَى الْإِبْطِ، وَهَذَا الْمِفْصَلُ أَعْنِي الرُّسْغَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ»، وَالْحَسْمُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَاقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ.
الشرح:
فصلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ:
الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ صَحَّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَمِينَ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ».
قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ النَّخَعِيّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ، وَثِيَابُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَهَا، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَرَّ السَّارِقُ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطَعَ، فَقَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُقْطَعُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ فِي ثَوْبِي؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَلَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ، ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اشْفَعُوا مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْوَالِي، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْوَالِي فَعَفَا، فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِقَطْعِهِ مِنْ الْمَفْصِلِ»، انْتَهَى.
وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: الْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَانِئٍ النَّخَعِيّ لَا يُتَابَعُ عَلَى مَا لَهُ مِنْ حَدِيثٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْوَشَّاءُ التِّنِّيسِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارِقًا مِنْ الْمَفْصِلِ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَخَالِدٌ ثِقَةٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ لَا أَعْرِفُ لَهُ حَالًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: سَمِعْت عَدِيَّ بْنَ عَدِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ رَجُلًا مِنْ الْمَفْصِلِ»، انْتَهَى.
وَهُوَ مُرْسَلٌ.
وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَطَعَا مِنْ الْمَفْصِلِ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُفَسِّرَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْمُجْمَلَةِ، كَحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ»، انْتَهَى.
وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَجَّاجِ وَزَادَ ابْنُ الْقَطَّانِ جَهَالَةَ حَالِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَحَدِيثٌ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي بَيْضَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، قِيمَتُهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا» انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ، ثُمَّ ابْنُ الْقَطَّانِ بِالْمُخْتَارِ هَذَا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: يُكْنَى بِأَبِي إِسْحَاقَ، وَيُعْرَفُ بِالتَّمَّارِ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْمُخْتَارُ عَنْ أَبِي مَطَرٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَأَبُو مَطَرٍ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَلَا اسْمُهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَاقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا أَخَالُهُ سَرَقَ، فَقَالَ السَّارِقُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ احْسِمُوهُ، ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ، فَقُطِعَ، ثُمَّ حُسِمَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَالَ: تُبْ إلَى اللَّهِ، فَقَالَ: تُبْت إلَى اللَّهِ، فَقَالَ: تَابَ اللَّهُ عَلَيْك»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ.
وَقَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى.
قُلْت: كَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ الثَّوْرِيِّ بِهِ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيُّ بِهِ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ بِهِ أَيْضًا مُرْسَلًا، قَالَ: وَلَمْ يُسْمَعْ بِالْحَسْمِ فِي قَطْعِ السَّارِقِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: الْحَسْمُ أَنْ يَكْوِيَ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَيَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى جَدِّهِ، فَإِنَّهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُصَيْفَةَ، هُوَ ثِقَةٌ، بِلَا خِلَافٍ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حُجِّيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الْمَفْصِلِ وَحَسَمَهَا.
قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَإِلَى أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا أُيُورُ الْحُمُرِ. انْتَهَى.
وَحُجِّيَّةُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: شِبْهُ الْمَجْهُولِ.
(فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَمْ يُقْطَعْ وَخُلِّدَ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي الثَّالِثَةِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَفِي الرَّابِعَةِ: تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَيُرْوَى مُفَسَّرًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، وَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي كَوْنِهَا جِنَايَةً بَلْ فَوْقَهَا فَتَكُونُ أَدْعَى إلَى شَرْعِ الْحَدِّ.
وَلَنَا: قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ: إنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِيَ بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا، وَبِهَذَا حَاجَّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَحَجَّهُمْ فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ إهْلَاكُ مَعْنًى لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ، وَلِأَنَّهُ نَادِرُ الْوُجُودِ وَالزَّجْرُ فِيمَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ، وَالْحَدِيثُ طَعَنَ فِيهِ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى السِّيَاسَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ».
قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «جِيءَ بِسَارِقٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، فَقَالَ: اقْطَعُوهُ، فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: اقْطَعُوهُ، فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: اقْطَعُوهُ، فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: اقْطَعُوهُ، فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الْخَامِسَةَ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ، فَقَتَلْنَاهُ، ثُمَّ اجْتَرَرْنَاهُ، فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بِئْرٍ، وَرَمَيْنَا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ»، انْتَهَى.
قَالَ النَّسَائِيُّ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَمُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ هَذَا فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَائِذِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَعَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ شِيعِيٌّ لَهُ مَنَاكِيرُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى ثَنَا هِشَامٌ بِهِ، وَسَعِيدُ بْنُ يَحْيَى هُوَ ابْنُ صَالِحٍ اللَّخْمِيُّ، فِيهِ مَقَالٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنْبَأَ يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ اللَّخْمِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلِصٍّ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: اقْطَعُوهُ، فَقُطِعَ، ثُمَّ سَرَقَ، فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ، ثُمَّ سَرَقَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ كُلُّهَا، ثُمَّ سَرَقَ الْخَامِسَةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِهَذَا، حِينَ قَالَ: اُقْتُلُوهُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ عَنْ حِزَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَرَقَ مَتَاعًا، فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ سَرَقَ، فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ سَرَقَ، فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ سَرَقَ، فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ سَرَقَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حِزَامُ بْنُ عُثْمَانَ، وَهُوَ مِنْ الضَّعْفِ بِالْمَحَلِّ الْعَظِيمِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ، فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ»، انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ التَّاسِعِ، وَالْوَاقِدِيُّ فِيهِ مَقَالٌ.
قَوْلُهُ: وَيُرْوَى مُفَسَّرًا، كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «سَرَقَ مَمْلُوكٌ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْفُو عَنْهُ، ثُمَّ سَرَقَ الْخَامِسَةَ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ السَّادِسَةَ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ السَّابِعَةَ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ الثَّامِنَةَ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَرْبَعٌ بِأَرْبَعٍ»، انْتَهَى.
وَوَهَمَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ فَعَزَاهُ لِلنَّسَائِيِّ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِوَجْهٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ، انْتَهَى.
وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَذَا لَا يَصِحُّ لِلْإِرْسَالِ، وَضَعْفِ الْإِسْنَادِ، وَقَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ: إنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا، وَضَعَّفَ الْفَضْلَ بْنَ الْمُخْتَارِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوْثِيقٍ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَابِطٍ، قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَبْدٍ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عَبْدٌ قَدْ سَرَقَ، وَوُجِدَتْ سَرِقَتُهُ مَعَهُ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا عَبْدُ بَنِي فُلَانٍ، أَيْتَامٌ لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ غَيْرَهُ، فَتَرَكَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّانِيَةَ، فَتَرَكَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّالِثَةَ، فَتَرَكَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ، فَتَرَكَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الْخَامِسَةَ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ السَّادِسَةَ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ السَّابِعَةَ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ الثَّامِنَةَ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْبَعٌ بِأَرْبَعٍ»، انْتَهَى.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدِهِ، وَمَتْنِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِهِ، قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ طَعَنَ فِيهِ الطَّحَاوِيُّ.
الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَشَكَا إلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ ظَلَمَهُ، فَكَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، فَيَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ: وَأَبِيك مَا لَيْلُك بِلَيْلِ سَارِقٍ، ثُمَّ إنَّهُمْ فَقَدُوا عِقْدًا لِأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ مَعَهُمْ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَلَيْك بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ، فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ، زَعَمَ أَنَّ الْأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ، فَاعْتَرَفَ الْأَقْطَعُ، أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ سَرِقَتِهِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَجُلٌ أَقْطَعُ، فَشَكَا إلَيْهِ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ فِي سَرِقَةٍ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا زِدْت عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُوَلِّينِي شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ، فَخُنْته فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَطَعَ يَدِي، وَرِجْلِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إنْ كُنْتَ صَادِقًا فَلَأُقِيدَنَّكَ مِنْهُ، فَلَمْ يَلْبَثُوا إلَّا قَلِيلًا حَتَّى فَقَدَ آلُ أَبِي بَكْرٍ حُلِيًّا لَهُمْ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَهُ، وَقَالَ: أَظْهِرْ مَنْ سَرَقَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ، قَالَ: فَمَا انْتَصَفَ النَّهَارُ حَتَّى عَثَرُوا عَلَى الْمَتَاعِ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: وَيْلَك إنَّك لَقَلِيلُ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ، فَقَطَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ الثَّانِيَةَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَكَانَ اسْمُهُ جَبْرًا، أَوْ جُبَيْرًا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: لَجُرْأَتُهُ عَلَى اللَّهِ أَغْيَظُ عِنْدِي مِنْ سَرِقَتِهِ، انْتَهَى.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنَّمَا كَانَ الَّذِي سَرَقَ حُلِيَّ أَسْمَاءَ أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُمْنَى، فَقَطَعَ أَبُو بَكْرٍ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَكَانَتْ تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ أَعْلَمُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي بِهَا، وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا قُلْت: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: إذَا سَرَقَ السَّارِقُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ ضَمَّنَهُ السِّجْنَ، حَتَّى يُحْدِثَ خَيْرًا، إنِّي أَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ أَدَعَهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي بِهَا، وَرِجْلٌ يَمْشِي عَلَيْهَا. انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ كَانَ عَلِيٌّ لَا يَقْطَعُ إلَّا الْيَدَ وَالرِّجْلَ، وَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ سَجَنَهُ، وَيَقُولُ: إنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ يَدًا وَرِجْلًا، فَإِذَا أُتِيَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: إنِّي لَأَسْتَحْيِي أَنْ أَدَعَهُ لَا يَتَطَهَّرُ لِصَلَاتِهِ، وَلَكِنْ احْبِسُوهُ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: أَقْطَعُ يَدَهُ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَمَسَّحُ وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ؟ أَقْطَعُ رِجْلَهُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَمْشِي؟ إنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ، وَخَلَّدَهُ فِي السِّجْنِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ السَّارِقِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ بِمِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَهُمْ فِي سَارِقٍ، فَأَجْمَعَا عَلَى مِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إذَا سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، وَلَا تَقْطَعُوا يَدَهُ الْأُخْرَى، وَذَرُوهُ يَأْكُلُ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي بِهَا، وَلَكِنْ احْبِسُوهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ عَنْ النَّخَعِيّ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يُتْرَكُ ابْنُ آدَمَ مِثْلُ الْبَهِيمَةِ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي بِهَا، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَبِهَذَا حَاجَّ عَلِيٌّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ فَحَجَّهُمْ قُلْت: فِي التَّنْقِيحِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَضَرْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ مَقْطُوعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: قَتَلْتُهُ إذًا، وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ، بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَتِهِ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ عَلَى حَاجَتِهِ؟، فَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ أَيَّامًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ، وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَجَلَدَهُ جَلْدًا شَدِيدًا، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، وَقَالَ سَعِيدٌ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، قَدْ سَرَقَ، فَأَمَرَ أَنْ تُقْطَعَ رِجْلُهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} الْآيَةَ، فَقَدْ قَطَعْتَ يَدَ هَذَا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقْطَعَ رِجْلَهُ، فَتَدَعَهُ لَيْسَ لَهُ قَائِمَةٌ يَمْشِي عَلَيْهَا، إمَّا أَنْ تُعَزِّرَهُ، وَإِمَّا أَنْ تُودِعَهُ السِّجْنَ، فَاسْتَوْدَعَهُ السِّجْنَ. انْتَهَى.
وَهَذَا الثَّانِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ.
(وَإِذَا كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا أَوْ مَشْيًا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ لِمَا قُلْنَا (وَكَذَا إنْ كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ الْأُصْبُعَانِ مِنْهَا سِوَى الْإِبْهَامِ) لِأَنَّ قِوَامَ الْبَطْشِ بِالْإِبْهَامِ (فَإِنْ كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ قُطِعَ) لِأَنَّ فَوَاتَ الْوَاحِدَةِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا ظَاهِرًا فِي الْبَطْشِ، بِخِلَافِ فَوَاتِ الْأُصْبُعَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَنْزِلَانِ مَنْزِلَةَ الْإِبْهَامِ فِي نُقْصَانِ الْبَطْشِ.
قَالَ: (وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْحَدَّادِ اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا فِي سَرِقَةٍ سَرَقَهَا فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَإِ وَيَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَضْمَنُ فِي الْخَطَإِ أَيْضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْمُرَادُ بِالْخَطَإِ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا، وَقِيلَ: يُجْعَلُ عُذْرًا أَيْضًا.
لَهُ أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً، وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فَيَضْمَنُهَا.
قُلْنَا: إنَّهُ أَخْطَأَ مِنْ اجْتِهَادِهِ إذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ تَعْيِينُ الْيَمِينِ وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَوْضُوعٌ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلَ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا كَمَنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَهُ غَيْرُ الْحَدَّادِ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ وَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ فِي الْعَمْدِ عِنْدَهُ عَلَيْهِ: أَيْ السَّارِقِ ضَمَانُ الْمَالِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا وَفِي الْخَطَإِ كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَعَلَى طَرِيقَةِ الِاجْتِهَادِ لَا يَضْمَنُ.
(وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَيُطَالِبُ بِالسَّرِقَةِ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِخُصُومَتِهِ (وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ عِنْدنَا) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ.
(وَلِلْمُسْتَوْدَعِ وَالْغَاصِبِ وَصَاحِبِ الرِّبَا أَنْ يَقْطَعُوا السَّارِقَ مِنْهُمْ، وَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَقْطَعَهُ أَيْضًا وَكَذَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ).
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَوْدَعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ شِرَاءٍ وَالْمُرْتَهِنُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ، وَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْعَيْنِ بِدُونِهِ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ لَا خُصُومَةَ لِهَؤُلَاءِ فِي الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَهُ.
وَزُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ ضَرُورَةَ الْحِفْظِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ، لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الصِّيَانَةِ.
وَلَنَا: أَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا، وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَقِيبَ خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ مُطْلَقًا إذْ الِاعْتِبَارُ لِحَاجَتِهِمْ إلَى الِاسْتِرْدَادِ، فَيَسْتَوْفِي الْقَطْعَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُصُومَةِ إحْيَاءُ حَقِّهِ، وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ضَرُورَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومَةِ الِاعْتِرَاضِ كَمَا إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةُ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ ثَابِتَةً (وَإِنْ قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِرَبِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِيَ) لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ، حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ مُوجَبَةً فِي نَفْسِهَا، وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ لِحَاجَتِهِ إذْ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ سَرَقَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَمَا دُرِئَ الْحَدُّ بِشُبْهَةٍ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ.
(وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَرَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ يُقْطَعْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ حُجَّةً ضَرُورَةَ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا فَتَبْقَى تَقْدِيرًا.
(وَإِذَا قُضِيَ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوُهِبَتْ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ) مَعْنَاهُ: إذَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ (وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا الْمَالِكُ إيَّاهُ).
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتْ انْعِقَادًا وَظُهُورًا، وَبِهَذَا الْعَارِضِ لَمْ يَتَبَيَّنْ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ السَّرِقَةِ فَلَا شُبْهَةَ.
وَلَنَا: أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالِاسْتِيفَاءِ إذْ الْقَضَاءُ لِلْإِظْهَارِ وَالْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهَا مِنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا مِنْ النِّصَابِ) يَعْنِي قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ الْقَضَاءِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ.
وَلَنَا: أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَمُلَ النِّصَابُ عَيْنًا وَدَيْنًا كَمَا إذَا اُسْتُهْلِكَ كُلُّهُ. أَمَّا نُقْصَانُ السِّعْرِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَافْتَرَقَا.
(وَإِذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً) مَعْنَاهُ بَعْدَمَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِالسَّرِقَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ.
وَلَنَا: أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ، وَتَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ.
(وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَمْ يُقْطَعَا) لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَمُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَثْبُتُ بِإِقْرَارِهَا عَلَى الشَّرِكَةِ (فَإِنْ سَرَقَا ثُمَّ غَابَ أَحَدُهُمَا، وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْآخِرِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا) وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رُبَّمَا يَدَّعِي الشُّبْهَةَ.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخِرِ أَنَّ الْغَيْبَةَ تَمْنَعُ ثُبُوتَ السَّرِقَةِ عَلَى الْغَائِبِ فَيَبْقَى مَعْدُومًا وَالْمَعْدُومُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَوَهُّمِ حُدُوثِ الشُّبْهَةِ عَلَى مَا مَرَّ.
(وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُقْطَعُ وَالْعَشَرَةُ لِلْمَوْلَى.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُقْطَعُ وَالْعَشَرَةُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَمَعْنَى هَذَا إذَا كَذَّبَهُ الْمَوْلَى.
(وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ قُطِعَتْ يَدُهُ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ يُقْطَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ وَطَرَفِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَّا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ وَالْمَالِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهِ لِكَوْنِهِ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ أَيْضًا، وَنَحْنُ نَقُولُ: يَصِحُّ إقْرَارُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فَيَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ، وَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ، لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِضْرَارِ، وَمِثْلُهُ مَقْبُولٌ عَلَى الْغَيْرِ.
لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ: أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ بَاطِلٌ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْغَصْبِ فَيَبْقَى مَالُ الْمَوْلَى وَلَا قَطْعَ عَلَى الْعَبْدِ فِي سَرِقَةِ مَالِ الْمَوْلَى، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ فِيهَا وَالْقَطْعَ تَابِعٌ حَتَّى تُسْمَعَ الْخُصُومَةُ فِيهِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَيَثْبُتَ الْمَالُ دُونَهُ، وَفِي عَكْسِهِ لَا تُسْمَعُ وَلَا يَثْبُتُ.
وَإِذَا بَطَلَ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ بَطَلَ فِي التَّبَعِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ صَحِيحٌ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ تَبَعًا.
وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ بِالْقَطْعِ وَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَصِحُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَبِالْمَالِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِ فِيهِ، وَالْقَطْعُ يُسْتَحَقُّ بِدُونِهِ كَمَا إذَا قَالَ الْحُرُّ: الثَّوْبُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ سَرَقْته مِنْ عُمَرَ وَزَيْدٌ يَقُولُ هُوَ ثَوْبِي يُقْطَعُ يَدُ الْمُقِرِّ وَإِنْ كَانَ لَا يُصَدَّقُ فِي تَعْيِينِ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُؤْخَذَ مِنْ زَيْدٍ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَطْعِ قَدْ صَحَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا فَيَصِحُّ بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ، وَالْمَالُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ تَابِعٌ لِلْقَطْعِ حَتَّى تَسْقُطَ عِصْمَةُ الْمَالِ بِاعْتِبَارِهِ فَيَسْتَوْفِي الْقَطْعَ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحُرِّ، لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَجِبُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْمُودِعِ، أَمَّا مَا لَا يَجِبُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ مَالَ الْمَوْلَى فَافْتَرَقَا، وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يُقْطَعُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ قَالَ: (وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ إلَى صَاحِبِهَا) لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ (وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَشْمَلُ الْهَلَاكَ وَالِاسْتِهْلَاكَ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَضْمَنُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ قَدْ اخْتَلَفَ مُسَبِّبَاهُمَا فَلَا يَمْتَنِعَانِ فَالْقَطْعُ حَقُّ الشَّرْعِ.
وَسَبَبُهُ تَرْكُ الِانْتِهَاءِ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ، وَالضَّمَانُ حَقُّ الْعَبْدِ وَسَبَبُهُ أَخْذُ الْمَالِ فَصَارَ كَاسْتِهْلَاكِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ مَمْلُوكَةٍ لِذِمِّيٍّ.
وَلَنَا: قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يُنَافِي الْقَطْعَ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ، فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ، وَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ فَهُوَ الْمُنْتَفِي، وَلِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَبْقَى مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ، إذْ لَوْ بَقِيَ لَكَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ فَيَصِيرُ مُحَرَّمًا حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ، إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا يَظْهَرُ سُقُوطُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الشُّبْهَةُ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ، وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِهَا فِي حَقِّ الْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» قُلْت غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَغْرَمُ صَاحِبُ السَّرِقَةِ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ»، انْتَهَى: قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ: «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: وَالْمِسْوَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَإِنْ صَحَّ إسْنَادُهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ، قَالَ: وَسَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَصَدَقَ فِيمَا قَالَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: «لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ سَرِقَتَهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ».
قَالَ: وَالْمِسْوَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ قَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، لِأَنَّ الْمِسْوَرَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، انْتَهَى.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: إسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَفِيهِ مَعَ الِانْقِطَاعِ بَيْنَ الْمِسْوَرِ وَجَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، انْقِطَاعٌ آخَرُ بَيْنَ الْمُفَضَّلِ وَيُونُسَ، فَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ الْفُرَاتِ عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، فَجَعَلَ فِيهِ الزُّهْرِيَّ بَيْنَ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَسَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ الْجَهْلُ بِحَالِ الْمِسْوَرِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَغْرَمُ السَّارِقُ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ»، فَقَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَمِسْوَرٌ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ قَاضِي مِصْرَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعْدٍ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعْدٍ، وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَخِيهِ الْمِسْوَرِ، فَإِنْ كَانَ سَعْدٌ هَذَا هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ: لَا نَعْرِفُ لَهُ فِي التَّوَارِيخِ أَخًا مَعْرُوفًا بِالرِّوَايَةِ يُقَالُ لَهُ: الْمِسْوَرُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ، فَلَا نَعْرِفُهُ، وَلَا نَعْرِفُ أَخَاهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَأَيْت حَدِيثًا لِسَعْدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَإِنَّ هَذَا الِانْتِسَابَ كَانَ صَحِيحًا، وَثَبَتَ كَوْنُ الْمِسْوَرِ أَخًا لِسَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَا رُؤْيَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ صَبِيًّا صَغِيرًا، وَمَاتَ أَبُوهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، فَإِنَّمَا كَانَ أَدْرَكَ أَوْلَادَهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَإِنَّمَا رِوَايَةُ ابْنَيْهِ الْمَعْرُوفَيْنِ: صَالِحٍ، وَسَعْدٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَهَذَا الَّذِي عَرَفْنَاهُ بِحَفَدَتِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ رُؤْيَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ عَنْ جَدِّهِ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ مَعَ الْجَهَالَةِ مُنْقَطِعٌ، وَبِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا تُتْرَكُ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ تَذْهَبُ بَاطِلًا، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ»، انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَالْمَعْرُوفُ سَعْدٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مِسْوَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخُو صَالِحٍ، وَسَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مُرْسَلًا، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هَذَا مَجْهُولٌ، وَقِيلَ: إنَّهُ الزُّهْرِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ.
وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّ الزُّهْرِيَّ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَخٌ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ يُقَالُ لَهُ: الْمِسْوَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ لَهَا) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمْ، فَإِنْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ لِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ فِي السَّرِقَاتِ كُلِّهَا.
لَهُمَا: أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ، فَلَمْ تَظْهَرْ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَائِبِينَ فَلَمْ يَقَعْ الْقَطْعُ لَهَا فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً.
وَلَهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِذَا اُسْتُوْفِيَ فَالْمُسْتَوْفَى كُلُّ الْوَاجِبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الْكُلِّ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ النُّصُبُ كُلُّهَا لِوَاحِدٍ فَخَاصَمَ فِي الْبَعْضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.